اتخذت
الأزمة بين الجزائر والقاهرة بسبب تصفيات كأس العالم لكرة القدم للعام
2010 التي فاز ببطاقتها المنتخب الجزائري في مباراة ثالثة فاصلة، بعداً
خطيراً مع استمرار التعبئة الاعلامية التي نحت منحى عدائياً من كل طرف ضد
الآخر وبوجه عنصري قبيح، وسط اتهامات متبادلة باستهداف جاليتي البلدين في
كل من الجزائر ومصر.
وتمثل البعد الجديد مع محاولة مصريين غاضبين أمس
مهاجمة سفارة الجزائر في القاهرة، واصطدامهم بقوات الأمن المصرية، ما اوقع
نحو 35 جريحاً من الشرطة بينهم 11 ضابطاً.
وما يزيد من خطورة الأمر
استمرار السجالات والاتهامات وعلى مستويات عالية بين مسؤولي البلدين،
الأمر الذي يسهم في تصاعد الغضب في الشارعين المصري والجزائري بدلاً من
التهدئة.
فقد رشق متظاهرون مصريون بالحجارة والزجاجات الحارقة أمس قوات
الامن التي شكلت حائطاً دفاعياً امام السفارة الجزائرية في القاهرة،
موقعين في صفوف قوى الامن 35 جريحاً.
وقالت وزارة الداخلية المصرية في
بيان ان "مجموعات من المواطنين حاولت التوجه الى مقر السفارة الجزائرية في
منطقة الزمالك رافعين الاعلام المصرية بأسلوب متحضر وملتزم اعراباً عن
غضبهم واستنكارهم للاحداث المؤسفة التى اقدم عليها عدد من مشجعي فريق
الجزائر خلال مباراتي القاهرة والخرطوم".
وأشارت الى ان عددا من
المتظاهرين "جنحوا الى إلقاء الحجارة وزجاجات فيها مواد ملتهبة نحو قوات
الشرطة ما اسفر عن اصابة أحد عشر ضابطا وأربعة وعشرين من الافراد".
وتابعت ان هناك "تلفيات لحقت بخمس عشرة سيارة خاصة وللشرطة، وكذلك تهشمت واجهات اربعة محلات ومحطة وقود واثنتي عشر لوحة للاعلانات".
وقال البيان ان "قوات الشرطة اضطرت لتفريق المتجمعين وضبط متزعمي اعمال الشغب"، موضحة ان "التحقيق جار" في الحوادث.
ودعت
الوزارة المصريين الى "الالتزام بالسلوك الحضاري في التعبير عن مشاعرهم"،
وأن "لا يتركوا المجال لكل من قد يبادر باستثمار الموقف لاثارة اعمال
الشغب او تحقيق اهداف خاصة".
وبدأ الاحتجاج مساء أول من أمس في شارع
يؤدي الى السفارة. وعمدت شرطة مكافحة الشغب مرات عدة الى صد المتظاهرين
الذين احرقوا اعلاما جزائرية ورددوا هتافات معادية للجزائر.
الأزمة
انتشرت في هذه الاثناء الى ما هو ابعد من الرياضة، وأعلن نقيب الموسيقيين
المصريين منير الوسيمي أنه قرر منع المطربين المصريين من الغناء في
الجزائر ووقف اصدار تصاريح للمطربين الجزائريين للغناء فى مصر وقطع
العلاقات الموسيقية المصرية ـ الجزائرية.
كما قرر الوسيمي رفع دعوى
قضائية ضد رئيس الاتحاد الجزائري لكرة القدم "لتصريحاته المستفزة التي
كانت سببا في الأعمال العدائية التي بدرت من الجمهور الجزائري" وقرر ايضا
رفع دعوى قضائية أيضا ضد السفير الجزائري في القاهرة للسبب ذاته.
كما
دعا ممدوح الليثي رئيس اتحاد النقابات الفنية المصرية الى عدم اشراك
الفنانين الجزائريين في الاعمال الفنية داخل مصر. وقال الليثي الذي يضم
اتحاده نقابات الممثلين والسينمائيين والموسيقيين ان موقفه هذا جاء بسبب
"عدم صدور أي بيان من المؤسسات الفنية الرسمية وغير الرسمية الجزائرية
يدين فيها الاعتداءات التي وقعت من جانب الجمهور الجزائري ضد مشجعي
المنتخب المصري بصفة عامة والفنانين بصفة خاصة"، وكذلك بسبب "التعبئة
الإعلامية التي قام بها العديد من وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة
والمرئية الجزائرية مما كان سببا في المناخ الذي ساهم في وقوع مثل هذه
الأحداث العدائية ضد المصريين".
وفي سياق مواز، هدد الاتحاد المصري
لكرة القدم بوقف النشاط الرياضي لمدة عامين على الاقل "احتجاجا على ما حدث
من اعتداء على الجماهير المصرية الرياضية ولاعبيها ومسؤوليها بالسودان في
حالة عدم تدخل الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) بشكل صارم".
وأوضح الاتحاد
المصري في بيان على موقعه الالكتروني انه سيرفع شكوى الى "الفيفا" متضمنة
كل الاحداث التي واكبت مباريات مصر والجزائر، سواء التي كانت بالجزائر
والقاهرة ومأساة المباراة الفاصلة بالسودان ضمن التصفيات الافريقية
المؤهلة الى نهائيات العالم 2010 في جنوب افريقيا.
والأزمة كذلك تواصلت
على اعلى المستويات، إذ أكد علاء مبارك نجل الرئيس المصري حسني مبارك أنه
حضر مباراة مصر والجزائر في السودان مع شقيقه جمال مبارك "وكان الجو غير
طبيعي لأن الجمهور الجزائري الذي حضر الى السودان لم يكن جمهور كرة القدم
بأي حال من الأحوال، بل كانوا جماعات مرتزقة".
وأشار إلى أن
"الاستفزازات استمرت حتى بعد انتهاء المباراة بفوز الجزائر، ونزلنا إلى
غرف الملابس لتحية اللاعبين والجهاز الفني على ما قدموه من جهد ولكن
الجماهير الجزائرية استمرت في الطرقات لإرهابنا".
وتعقيبا على إشادة
وزير الرياضة الجزائري هاشمي الجيار بسلوك الجماهير الجزائرية قبل واثناء
وبعد المباراة، قال علاء مبارك: "يبدو أن الوزير أدلى بهذا التصريح وهو
فاقد الوعي".
وأكد رفضه لأي تهديدات تجاه الاستثمارات المصرية في الجزائر قائلا "إن المصريين لا يخافون ولا ترهبهم أي تهديدات".
وابدى
علاء مبارك استغرابه لتصريحات رئيس الاتحاد الجزائري محمد روراوة "وهي
كلها عبارة عن كلام فارغ.. وبعد ذلك يتحدثون عن الاخوة الجزائريين".
وتعهد
وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط أمس الا تسمح بلاده بأي تجاوزات على
الجزائريين والمصالح الجزائرية في مصر، الا انه طالب في الوقت نفسه
السلطات الجزائرية بالمثل في حماية المصريين والمصالح المصرية في الجزائر.
ونقلت
وكالة انباء الشرق الاوسط عن ابو الغيط قوله لنظيره الجزائري مراد مدلسي
في اتصال هاتفي ان "مصر لا يمكن أن تسمح بتعرض المصالح الجزائرية على
الأرض المصرية أو المواطنين الجزائريين لأية اعتداءات". وأضافت أنه أشار
إلى "أهمية حماية المؤسسات والمنشآت المصرية في الجزائر وتأمين الحماية
لها ولكل العاملين المصريين والجالية المصرية في ضيافة الحكومة والشعب
الجزائري".
وقالت ان الوزيرين تناولا التداعيات الخاصة بمباراة كرة القدم التي جرت بين فريقي البلدين الاربعاء الماضي.
في
المقابل، ذكرت وكالة الانباء الجزائرية ان وزارة الشؤون الخارجية استدعت
امس سفير مصر في الجزائر وكلفه مدلسي بتبليغ سلطات بلده "عدم فهم" السلطات
الجزائرية و"انشغالها العميق" أمام تصاعد الحملة الاعلامية في مصر.
واوضح البيان ان مدلسي عبر عن امله في ان يوضع "على الفور" حد لهذه الحملة "التي لا تخدم مصالح البلدين ولا الشعبين".
وقالت
الوكالة ان الجزائر "اتخذت كل الاجراءات لتهدئة الوضع" قبل و خلال وبعد
مقابلتي كرة القدم واقامت "جهازا امنيا مدعما قصد ضمان امن الرعايا
المصريين وممتلكاتهم في الجزائر".
وفي مسعى من الجامعة العربية
للتهدئة، دعا الامين العام للجامعة عمرو موسى امس المصريين والجزائريين
الى الهدوء بعد التوتر الذي نجم عن مواجهتي منتخبيهما المؤهلتين لكأس
العالم في كرة القدم.
وقال على هامش افتتاح مؤتمر في دبي ينظمه المنتدى
الاقتصادي العالمي "ادعو الى الهدوء ووضع الامور في حدودها وفي اطارها".
كما دعا "الشارع العربي الى العودة الى العقل"، معتبرا ان ما حصل "فتنة
ادت الى فورة اعصاب في بلدين كبيرين".